الأحد، ٧ تشرين الثاني ٢٠١٠

شعارات تناسب المرحلة بقلم: د. عاكف الزعبي

يلفت الانتباه تركيز تعليقات غالبية نخبة الكتاب والمحللين على الشعارات التي تحملها يافطات وصور المرشحين في حملاتهم الانتخابية، واتخاذ مضامينها للتأشير على المستوى العام والسياسي للمرشحين وعلى صورة مجلس النواب المقبل. لتعذرنا النخبة فيما كتبت وحللت في عجالاتها حين بدت متفاجئة من المشهد الشعاراتي الباهت حتى لا نقول البائس. فهل كانت حقاً تتوقع أن ترى من الشعارات غير الذي نراه؟.

نستطيع أن نؤشر على التراجع في أكثر من موقع عام. وإذا بدأنا بشعارات المرشحين تقودنا خطواتنا التالية إلى بياناتهم التي لا تقل فقراً عن الشعارات إلا فيما ندر لبعض المرشحين الذين خبروا العمل العام من خلال الوظيفة العامة أو العمل النقابي أو الانخراط الحزبي أو الانتساب لمنظمات المجتمع المدني.

من عجب أن يستغرب بعضنا غياب السياسيين والشعارات السياسية عن الحملة الانتخابية في ظل اضمحلال الحياة السياسية. من أين يأتي المرشحون السياسيون الخبراء في العمل العام؟ فالحياة الحزبية تراوح مكانها، والنقابات المهنية لم تفلح بعد في الدخول إلى السياسة دخولاً مهنياً، ونقابات العمال ليس من المؤمل اندماجها في العمل السياسي حتى في المدى المتوسط. أما الوظائف الحكومية العليا التي ظلت فترة طويلة مصدراً مهماً لولادة النخبة السياسية فآخذة في الانحسار منذ أن بدأ بقيادتها رجال أعمال غالبيتهم لا ينتمون للطبقة الوسطى أو للبرجوازية الوطنية وليس لهم أدنى خبرة بالعمل العام. ضعف الحياة السياسية والسياسيين لن يتيح لنا ان نرى شعارات وبيانات انتخابية تعكس رؤية قومية أو بعداً تحليلياً للأزمة القومية حتى في أدنى مستوياتها فيما بات يعرف بالتضامن العربي، فكيف عن بعد يعكس رؤية استراتيجية للأمن القومي سواء في إطاره الإقليمي أو الدولي. كيف نتوقع أن نرى شعاراً أو بياناً يدعو لإنهاء الاحتلال الأميركي للعراق أو إدانة التدخل الإقليمي وبخاصة الإيراني بشؤونه. ومن يحلم بشعار أو بيان يستنكر مؤامرة انفصال جنوب السودان عن شماله، أو يشير إلى مساعي تفكيك اليمن، أو يدين تسييس المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري؟ وعلى الصعيد الوطني من غير المؤمل صدور شعارات أو بيانات انتخابية تعكس إدراكاً عميقاً لمخرجات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتغيرات التي طرأت على ثقافة المجتمع جراء تلك المخرجات.

الأمر بمجمله مدعاة للتفكر والتأمل، بل والدراسة والاستنتاج قبل أن يفقد المجتمع توازنه، إن كان بفعل عوامل دولية ناجمة عن العولمة وتداعيات المرحلة الانتقالية التي تمر بها المجتمعات والدول النامية وهي تهم بالتعولم اختياراً أو انقياداً، أو بفعل سياسات وطنية استراتيجية وتنموية لا تنتمي للواقع والمصلحة العامة والثقافة المحلية، أو بسبب اختلالات في الإدارة العامة والعليا منها تحديداً ناجمة عن بنى وهياكل سياسية واقتصادية وإدارية غير ممثلة، أو لضعف في الإرادة السياسية العامة ولّده تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.

طبيعة المرحلة تملي عناوينها وشعاراتها، والعناوين والشعارات تعكس طبيعة المرحلة التي يعيشها المجتمع. والنهوض بالمرحلة ليس عملاً معزولاً أو مسؤولية جهة واحدة بعينها، لكنه عمل جماعي تقوده مؤسسات الدولة وعلى رأسها الحكومة ومن بعدها مجلس النواب. وملخص العمل المطلوب هو الإصلاح السياسي وتعزيز المشاركة بالحكم، وهو مطلوب اليوم قبل الغد لإصلاح المسار الذي أنتج لنا مرحلة رمادية وشعارات بائسة.

بقلم: د. عاكف الزعبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق