الأحد، ٧ تشرين الثاني ٢٠١٠

إصلاح ساعات دور العبادة مجانا

من بين ما يرتبط به شارع الشابسوغ في العاصمة، عمّان، بذاكرتي، أمران يرتبطان بالتسامح الديني. الأول ذلك الرجل المصري وابنته، اللذان كنت أمر فأجدهما عاكفين أمام صندوق زجاجي، في مدخل سوق تجاري إلى جانب الطريق، يصلحان ساعات. كانا يضعان على الحائط خلفهما يافطة صغيرة مكتوب عليها أنّ تصليح ساعات دور العبادة مجاني. (أي للكنائس والمساجد). الأمر الثاني، كان بناية قامت في الثمانينيات، واكتشفت لاحقا أنّها بنيت بفضل وقف أوقفته لمدارس الكلية العلمية الإسلامية، إحدى فاعلات الخير.

في مسجد الكلية العلمية الإسلامية، ذاتها، كان "أبو إبراهيم" يدرّسنا تجويد القرآن، ويخبرنا كلمات أنّ "العلاقة مع الخالق هي علاقة حب" قبل أن تكون علاقة خوف. لعله كان يعبّر عن فكرة صوفيّة.

قصص كالتي كانت في الشابسوغ والكلية العلمية الإسلامية جعلتني أفهم ما قالته زميلة مسيحية لبنانية في الجامعة الأردنّية، عندما سألها أفراد كتلة يساريّة مطلع التسعينيات، لماذا انتخبت القائمة الإسلامية، فردت: "هؤلاء عقائديون".

ولكن الأمر لم يستمر على ما هو عليه، أو أنّه كان له وجه آخر. عندما ظهرت في مطلع التسعينيات في عمّان جماعة مارست التفجير في دور السينما والأماكن العامّة، اتضّح أننا عندما كنا ندفع من مصروفنا الأسبوعي ونحن نخرج من بوابة المسجد يوم الجمعة دينارا تبرعا مقابل خريطة فلسطين، كنا ندفع لهم. ثم رأيت كيف تتغير نبرة ومحتوى حديث خطيب المسجد عندما دخل الوزارة ثم عاد لديدنه بعد خروجه!!.




في أيلول (سبتمبر) الفائت، بلغ الغضب الشعبي المسلم في أنحاء العالم مدى كبيرا، إثر إعلان قس في الولايات المتحدة الأميركية نيته حرق المصحف الشريف. لم يحدث المخطط، ولكن بثت قناة "برس" الإيرانية صورا لما قالت إنّه عملية حرق مصاحف في منطقة كشمير الخاضعة للحكم الهندي، فكانت ردة الفعل هناك مظاهرات تضمنت حرق كنيسة ومقتل ما لا يقل عن 18 متظاهرا. وفي أفغانستان قتل 3 متظاهرين في احتجاجات مشابهة، واندلعت احتجاجات كثيرة نحو العالم.




ولكن هل هؤلاء الأميركيون وأولئك في كشمير، والمستوطنون الصهاينة في فلسطين، هم أكثر من يستهدفون القرآن والمساجد؟! ماذا عن عمليات الحرق والتفجير التي يقوم بها مسلمون؟




الأمر ليس حتى من طائفة مسلمة ضد أخرى، فالمؤشرات مثلا أن تفجيري الجمعة الفائتة في باكستان اللذين قتل فيهما العشرات، هما من قبل سلفيين جهاديين (طالبان) ضد صوفيين أو ضد أفراد قبائل بعينها. والحادثان يضافان لسلسلة أحداث مشابهة، ففي باكستان ذاتها جرى مثلا في آذار(مارس) 2009، تفجير مسجد في جمرود يصلي به عسكريون. وسقط يومها 50 شخصا. وبعد ذلك بشهرين في باكستان أيضا سقط خمسون آخرون في تفجير مسجد في منطقة "دير".




في الصومال كانت هناك حالات تفجير ضمن ذات الطائفة أيضا، ففي آيار(مايو) الفائت، قتل أربعون شخصا في تفجير مسجد في العاصمة مقديشو، ضمن معارك اغتيالات بين فصائل متصارعة، وقبل هذا الحادث بثلاثة أيام فجّر لغم في مسجد في مقديشو كذلك.

وفي التفجيرات المرتدية رداء الطائفية سقط في تموز(يوليو) الفائت 28 شخصاً في تفجير مسجد في زاهدان بإيران، ولم يكن ذلك الحادث الأول من نوعه في المدينة. أمّا تفجيرات العراق التي لا تميّز بين مسجد وحسينية وكنيسة فأكثر من أن ترصد.




تعقيبا على مشروع القس الأميركي بحرق القرآن، وجه القيّادي في تنظيم "القاعدة" في الصومال (أبو الزبير) رسالة للمسلمين، يوم 11 أيلول/ (سبتمبر) الفائت، اعتبر فيها المشروع تعبيرا عن كره الغرب لكل المسلمين. فهل حارقو ومفجرو المساجد والكنائس في العراق وباكستان والصومال وإيران وغيرها يوجهون رسالة حب لكل المسلمين والمسيحيين؟!




بقلم: د. أحمد جميل عزم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق