الأحد، ٧ تشرين الثاني ٢٠١٠

أليس سؤالا غبيا جدا؟! بقلم: محمد أبو رمان

مرّ خبر إضراب العاملين في البي بي سي، الذي بثته الفضائية والموقع الالكتروني نفسه للمؤسسة العريقة، مرور الكرام باعتباره قضية عمّالية تهمّ شريحة معينة هناك، لكنه بالنسبة لنا (في العالم العربي) ليس فقط خبرا عابرا، بل هو درس قاس جداً في معنى المهنية والاستقلالية.

الإضراب نفّذه عاملون في البي بي سي احتجاجا على تغيير نظام التقاعد تحت وطأة العجز المالي الضخم الذي تعاني منه المؤسسة، فهو احتجاج من العاملين على الإدارة والحكومة. ومع ذلك تعاملت معه الفضائية والإذاعة والموقع باعتباره خبراً إعلاميا، ومنحته أفضليةً في نشراتها الإخبارية وتغطية موضوعية ومهنية، مع أنّه يمسّ "البيت الداخلي".

هل يمكننا من هذا الخبر وحده أن نقيس المسافة الفلكية بينهم وبيننا! لماذا هنالك إعلام محترم له تقاليده واستقلاليته وقيمه، بينما هنا إعلام "كيفما اتفق"! ربما من الصعوبة أن نطلب مثالا شبيها لدينا في العالم العربي لتغطية البي بي سي لخبر احتجاج عمّالها، فذلك بعيد المنال فعلاً!

خلال شهور فقط طُرد مئات الموظفين الأردنيين من عملهم وقاموا باعتصامات، وسّهل قانون العمل الجديد لشركاتهم التخلص منهم، بلا أدنى مساءلة حقيقية، فكيف مرّ الخبر في الإعلام الأردني؟! الصدمة (أيها الأصدقاء) أنّه لم يكن هنالك خبر أصلاً، و"كأنّ شيئاً لم يكن"! ثم نتناقش لماذا تقع الدول العربية في أسفل قائمة الحريات الصحافية في العالم، ولماذا يتراجع الأردن في كل عام مسافات واسعة، وصولاً إلى المرتبة 120 في التقرير الأخير لـ"مراسلون بلا حدود"!

بلا شك، نختلف مع البي بي سي وغيرها من الإعلام الغربي في مقدار التوازن والموضوعية بتغطيتها لأخبار العالم العربي، وتحديداً "الصراع العربي- الإسرائيلي" (على فرض وجود صراع!)، ونعرف أنّ هنالك منظورات مختلفة، بخاصة مع الإعلام الأميركي، لكن في "محكّات" معينة تتضح الاختلافات الجوهرية والبنيوية الحقيقية ليس فقط في سقف حرية التعبير، بل في القيم والثقافة المهنية بين الطرفين، والمواثيق الأخلاقية الحقيقية بين الإعلاميين هنا وهناك، وهي قضايا أعمق بكثير من الوقوف عند "سقف التعبير" على أهميته!

حتى نتعلّم من "الدرس البريطاني" العريق، ففي الوقت نفسه لإضراب البي بي سي، كان القضاء البريطاني يقبل استئناف الداعية المتشدد أبو حمزة المهاجر بعدم سحب جنسيته البريطانية، رغم أنّه يقضي عقوبة السجن بتهمة التحريض على الإرهاب.

المفارقة أنّ المصري يعلن موقفه ضد بريطانيا والغرب وتأييده القاعدة بوضوح، وحُكم عليه بالسجن، ومع ذلك فالقضاء يميز بين كافة الاعتبارات ويلتزم بالقوانين ويحمي استقلاليته واحترامه لدى الناس.

مصداقية الإعلام ومهنيته وحريته، استقلالية القضاء وعراقته، تقاليد أكاديمية محترمة في الجامعات، وتداول سلطة وأحزاب ومواطنة ودولة قانون ومؤسسات.

ثم نسأل لماذا وصلوا هناك، وما نزال نسير نحو القاع؟ أليس سؤالاً غبياً جداً!




بقلم: محمد أبو رمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق