الجمعة، ٥ تشرين الثاني ٢٠١٠

"أحلام من أبي": معركة اكتشاف الذات بقلم: محمد أبو رمان

منذ أشهر وأنا أقرأ باستمتاع وبطء وتمعّن مذكّرات الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما "أحلام من أبي: قصة العرق والإرث"، متنقّلاً من سنينه الأولى في هاواي من أب كيني وأمّ أميركية، وحياته في أندونسيا مع والدته بعد انفصالها عن أبيه، ثم عودته إلى هاواي، فدراسته الجامعية في شيكاغو، إلى انتقاله للحياة العملية وتشكّل شخصيته فكرياً وروحياً وسياسياً.

الكتاب عموماً يمتاز بسهولة وتسلسل ولغة جميلة غير متعبة وأفكار متدفقة، والأهم من هذا وذاك الصراحة الشديدة في مناقشة المشكلات والأزمات والصراعات النفسية الداخلية التي واجهته في حياته والاعتراف أيضاً بأخطائه وبعض الممارسات التي كان يقوم بها، بالتأكيد هي في عالم آخر (العالم الثالث) لن تكون في صالحه ولا في سجله السياسي، لكنه بالرغم من ذلك استطاع – برأيي الشخصي- أن يختطف إعجاب القارئ لهذه الجرأة النادرة، التي بالتأكيد لا يتحلّى سياسيونا ومسؤولونا بواحد بالألف منها، فهم جميعاً لا يخطئون !

الأكثر إفادة، في ظني، في مذكرات أوباما لنا في العالم الثالث، وفي الوطن العربي تحديداً، أنّ الحبل المتين الذي يجمع كافة مراحل حياته ويصاحبه في كل لحظاته وأوقاته وفي صراعه الداخلي وتطوره الفكري والسياسي هو سؤال الهوية الذي يمثّل المفتاح الرئيس لفهم تطور شخصيته. أوباما من والد أفريقي، ومن الشريحة المتدنيّة من الطبقة الوسطى، وقد أمضى الشطر الأكبر من حياته إلى حين تخرّجه من الجامعة وهو يحاول أن يفك "شيفرة الهوية"، ليصل إلى معادلة تخرج به من الشعور بالظلم والتذمر الذي يسكن المجتمع الأسود في أميركا وانتشار الأفكار العنصرية المتبادلة بينهم وبين البيض إلى أن يكون شخصية منتجة فاعلة، لكن هاجس صاحبنا لم يكن "الخلاص الفردي" والهروب من أبناء عرقه ومشكلاتهم، بل بحمل قضيتهم المشروعة بصورة صحيحة وبما يخدم الجميع، بيضاً وسوداً. يعترف صاحبنا في مذكراته بتفاصيل مثيرة وتحديداً في انعكاسات أزمة الهوية والشعور بالظلم لدى المجتمع الأسود على جيل الشباب فيه، الذين ينتشر بينهم تعاطي المخدرات والإدمان والعادات السيئة، في محاولة للتعبير عن سخطهم على الأوضاع الظالمة، لكن في الوقت نفسه، فإنّ هذه الثقافة السلبية باتت بمثابة مرآة تعزز صورة البيض عن السود ولا تنفيها. أوباما نفسه كاد أن يقع فريسة لحالة اللامبالاة والإحباط والإدمان والترهل لولا أنّه توصل بعد طول تفكير وحوارات وصراعات داخلية وتشكّل قناعاته وتطورها إلى أنّ الحل لا يكون بهذا الاتجاه، بل بإعادة تعريف الهوية بصورة صحيّة إيجابية، بمعنى أن تكون الهوية محصلة إنتاج وعمل وعطاء وتقدم وليس تقوقعاً ودفاعاً وعدائية مع الآخر. الكتاب يمنح الجيل العربي الشاب تجربة ثرية مهمة في "معركة اكتشاف الذات" والإجابة عن أسئلة الهوية ومواجهة الصراعات النفسية والاجتماعية، والوصول إلى نقاط التوازن التي تحرّك الإنسان والمجتمعات إلى الأمام بدلاً من الدوران حول الذات أو حروب الاستنزاف الداخلية في معارك وهمية أو عدمية محصّلتها النهائية ليست في صالح أحدٍ، وهي حالة منتشرة عموماً لدينا في أزمة الاندماج السياسي والمواطنة وفي صعود الهويات العرقية والطائفية والمذهبية وفي التعاطي مع سؤال الهوية باعتباره دفاعياً انطوائياً سلبياً.

بقلم: محمد أبو رمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق