الجمعة، ٥ تشرين الثاني ٢٠١٠

جدل الاختلاط والتنشئة والإصلاح بقلم: إبراهيم غرايبة

"ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله"،

كما هو متوقع بالطبع فقد أثار موضوع الاختلاط جدلا واحتجاجا، ولا بأس بذلك على أية حال، ولكن ما لا يريد ملاحظته معارضو الاختلاط أنه لا أصل لمنعه أو تحريمه في الدين ولا في العادات والتقاليد، ولا نتائج الإحصاءات، والعكس هو الصحيح؛ فالاختلاط هو الأصل في حياة الناس وعاداتهم وثقافتهم وأعمالهم، وفي صلاتهم أيضا كما يعرف الجميع، والواقع أن الفصل وعدم الاختلاط هو الطارئ على حياة الناس وثقافتهم، فالناس كانت تعمل معا وتجلس معا، وتقيم الحفلات والأعراس معا، وفي الكتاتيب القديمة كان الأطفال يتعلمون معا، وفي ذاكرة بلدتنا عن التعليم في الكتاتيب منذ منتصف القرن التاسع أنها كانت للأطفال جميعا، وعندما بدأت المدارس النظامية لوزارة المعارف في عشرينيات القرن العشرين حرمت الفتيات من التعليم لأن المدارس خصصت للأولاد فقط ولم تفتح مدارس للبنات، وكان ملفتا في البلدة أن سيدات من جيل جداتنا وأمهاتهن كن يعرفن القراءة والكتابة ولكن الجيل التالي من أمهاتنا لم يتح لهن التعليم!!

وتعد التنشئة في الحي أساسا لجميع الأعمال والواجبات الوطنية في المستقبل، فالانتخابات النيابية والبلدية والأنشطة والأعمال المتعلقة بالأحياء وخدمة الناس وتطوير المؤسسات الخدمية لهم وبخاصة في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية تقوم على معرفة الناس ببعضهم، وفي الدول المتقدمة يلزم جميع الاطفال بالدراسة في الحي الذي يقيمون فيه، ولا يسمح لهم بالدراسة خارجه، فهذه التنشئة المشتركة تتيح معرفة راسخة تكون أساسا فيما بعد للحكم المحلي والعمل المجتمعي.

وفي مرحلة من التوسع في تعليم الأبناء والبنات فلا مناص عمليا من الاختلاط، لأن البنات لم يذهبن للمدارس والجامعات ويكن الأغلبية فيها الا لأجل العمل والمشاركة، ولا يمكن أن تكون مؤسسات العمل والتجارة والخدمات أيضا قائمة على الفصل.

وفي التعليم الجامعي لدينا في الأردن فشلت فكرة الفصل بين الجنسين، الأمر الذي يؤكد أن الاختلاط في الجامعات هو مطلب مجتمعي، وليس مفروضا على الناس كما يتوهمون أو يرغبون ان يكون على طريقة "نفسي فيه وتفوه عليه"، وهناك تجربة معروفة في إحدى الجامعات التي كانت تتوقع أن الفصل سيجعلها تستقطب عددا كبيرا من الطالبات، ولكن لم يحدث ذلك، وتحولت الجامعة إلى مختلطة، وعندما أنشأ الإسلاميون جامعة في الزرقاء كانت مختلطة، ولا أعرف لماذا يواجه هؤلاء الاختلاط وهم يطبقونه (كانوا يطبقونه) في مؤسساتهم.

إن تمكين المجتمعات وتوظيف الموارد والإنفاق وتفعيل التعليم الجامعي والمدرسي والمهني الذي أنفق عليه الكثير لا يمكن تصوره من غير الاختلاط، ولا يمكن تصور لماذا يرسل الناس من الريف والبادية والمدن بناتهم للتعليم الجامعي ويسعون لتوظيفهن ثم يرفضون الاختلاط.

بقلم: إبراهيم غرايبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق