السبت، ٣٠ تشرين الأول ٢٠١٠

المضحك والمبكي في الحملة الانتخابية

يشعر المواطن الأردني هذه الأيام بدوار يصيبه وهو يقرأ يافطات المرشحين للانتخابات القادمـة ، حتى وصل الأمـر في أحدهم أنه صرح بأنه مصاب برهاب أو فوبيا الشعارات ، وهو صادق في ذلك ، فعندما يعلن المرشحين عن أنفسهم يعترينا خوف أن موجات من الفقر والبطالة والجوع والغلاء ستلفنا بسوادها دهرا طويلا .

أحد المرشحين يتفتق ذهنه عن شعار يشبه الزلزال ، فهو يعد بأن يحرر فلسطين والعراق وأمام هذا الواقع المضحك المبكي ستنصت لتسمع ضجيج الدبابات وقد يممت جنازيرها شرقا وغربا، فصاحبنا ربما يمتلك من القدرات العجيبة ليقوم بهذا الفعل في الوقت الذي عجزت عنه كل الجيوش وجبهات الصمود والأماني والأحلام والنوايا العربية . ومرشح ثان يطـرز شعاراتـه بالعبارات الناريـة التي تطحن عظام الفساد والمفسدين ، وربما نسي مرشحنا أن الفساد يقف أمامه خجولا ويقول له : يا أبي.

فعجبا من هذا الرجل كيف يرانا ؟وما هي المعادلة التي تجعله واثقا بأننا سنكون أشياعا لنظريته وشعاراته ؟وهو يعلم يقيناً أننا ندرك كم ساهم في تعظيم شأن الفساد وجعله قادرا على مصافحتنا في الطرقات تحت ضغط الحاجة .

أحدهم أعاد يافطات حملته الانتخابية السابقة بكل شعاراتها ووعودها ، وهو تصرف أحسبه حكيما ،اعتقادا منه أن لا جديد يمكن أن يضاف إلى قائمة الوعود والعهود التي سبقت ، وحين رأيتها تعود لذات الأمكنة ضحكت طويلا وقلت : لله در هذا الرجل الذي خلص من حركة الزمن فها هو ثابت كما لم تمر عليه سنوات.

إحداهن من مرشحات زمن (الكوتا) ذرفت الدمع غزيرا بمناسبة وبغير مناسبة فقط لأن الظروف الانتخابية السائدة توجب ذلك ، فما أن ترى سيدة تحمل طفلها تغرقها بالقبلات والدموع الحانية ، وحين تلثم يد عجوز طاعنة بالسن يسيل نهر الدموع احتراما ورأفة ، سيدة كانت تراقب هذا المنظر بنصف عين ابتسمت وهمهمت بدارجتها الغاضبة ( تِقلعْ عينكِ).


سيدة أخرى من هذا الزمن العجيب وصفها صاحب حاجة أنّها كادت في لحظة أن تتحول إلى ما يشبه (الكابوي الأمريكي) فالعجرفة سمة أصيلة فيها ، والصلف العنوان الأبرز لوجهها ، ولكن لظروف انتخابية جعلها تهبط هبوطا اضطراريا لتتحول بعده بقدرة قادر إلى امرأة وديعة تسيل دمعتها لأتفه سبب ، وتنظر في وجوه القوم بنظرة منكسرة تستجـدي بها موقفـا من هنـا أو من هنـاك ، فعجبا من هذا الزمان ونسائه ، أليس كان أجدى بها أن تبتسم ومن ثم تأتي البيوت مستفتحة.

خير من استأجرت القوي الأمين ، هذه الآية القرآنية الكريمة تكاد تكون أبرز ما في حملات المرشحين ، فإذا كنّا من نصف قرن ويزيد نستأجر القوي الأمين ، فمن أين أتانا إذا هذا السيـل العرم من الفساد والعفن الذي أطـاح بكثيـر من أحلامنا وآمالنا ، وهو الآن يغري رغيف خبزنا أن ينحاز له.

أحد المرشحين الأبديين أبدى رغبته لحاشيته والقائمين على صناعة حلمه ، أن تكون حملته الانتخابية حملة رقمية ، وهو لا يقصد بذلك أن تكون محوسبة ، ولكنه عبر عن حقيقة ما يجري عنده ،فجلّ من ينتخبه هم من الذين لا يجدون حرجا ببيع أصواتهم وضمائرهم وجلودهم وربما يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك ، فهم في نظره ليسوا إلا أرقاما إحصائية ولا يعنيه أسماؤهم وأشكالهم ومثلهم وقيمهم الغائبة أصلا ما دام دفع ثمنهم في سوق النخاسة الانتخابية.

مرشح آخر لو اجتهدت عليه عاما كاملا تدريبا وتعليما ليقرأ خطابا قصيرا دون أن يقع بخطأ هنا أو هناك لما استطعت إلى ذلك سبيلا ، مرشحنا هذا حملت يافطات حملته الانتخابية عبارات غاية في البيان والبلاغة لا يستطيعها إلا من امتلك ناصية اللغة ، مما حدا بأحد أرباب الفكاهة حين قرأ إحدى اليافطات القول: إن صاحبنا سيصاب بعسر هضم لغوي إذا حاول أن يقرأ شعاراته التي لا يعجبه منها إلا صورته ولون القماش الزاهي.

فأمام هذا الواقع العجيب ،أنصح أن تعلن حالة النفير في مستشفياتنا لأنها ستكون متخمة بمراجعيها من المصابين بالأمراض الانتخابية ، وسيخرج الطبيب على الجمع المنتظر ليخبرهم بتشخيصه أن مريضهم يعاني من ارتفاع حاد في الضغط الانتخابي مع وجود مؤشرات على ارتفاع بالسكر النيابي ، ويحتاج على حمية انتخابية بالامتناع عن تناول أي بيان أو قراءة الشعارات الانتخابية وزيارة مقرات المرشحين لمدة أسبوعين على الأقل.


بقلم: زكريا النوايسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق