السبت، ٣٠ تشرين الأول ٢٠١٠

خذوني بقلم: جرير خلف

لا سبب يجعلني أتعجل الخطوات فلا مكان في الكون ينتظر قدومي ولا كائنا في عالمي قد يقلقه غيابي....... خرب تعب وتتقاذفني حتى الغازات المنبعثة من السيارات ، أتعلق بنظرات المارة لعل من أحداها التقط بعض من الحرارة ، ابحث عن حنان بين اوجه قد كساها الزمن بالجليد وابحث عن تربيت على ظهري ويرضيني ايضا بعض العداوة . أغير الأرصفة وأبدل النظرات ، أقلب الوجوه واسرع في إنزال نظري عن كل وجه عبوس ، واتأمل الجميع لعل احدهم يحمل في قلبه بعض من اللا كره ، بعض من الرحمة او قليلا من الوقت أكون له فيه صديق أو قريب لبضع دقائق فقط ......ويكفيني في ذلك بعض التلميح باني مرئي وبأن صوتي مسموع وبأني اصبحت شيئا ما من ضمن الاشياء .



لا شيء هذا الصباح ، ولا شيء بالتأكيد هذا المساء ، ولا أمل في بعض الإطراء أو قليلا من الإشفاق ، فكل القوم قد فقدوا اصول العيش بين الأحياء وربما لم يستحقوا أيضا درجة الأموات ..... أين ذهبتم الآن جميعا ؟ خذوني معكم . خذوني بين أشيائكم .... بين أصابعكم، صورة في أعينكم.... خذوني رائحة ... عبرة أو لعبة سهلة لأطفالكم... خذوني ... لا تتركوني بين أكوام المدينة في هذا المساء، وحدي أتفقد الأرصفة بحثا عمن يزيل الخوف من بين عيوني وعن كلمة تدغدغ شجوني وعن لقمة تنعش أمعاء تعودت على البيات الطويل بلا اعتراض. خذوني صامتا حين تحتاجون الهدوء ... راقصا حين تحتاجون الترفيه... خذوني ساعة تنبيه .... أو حارس على بيتكم عند المغيب، قانعا ببعض الدفء الهارب من تحت أبوابكم أيام الصقيع... ويكفيني في الصيف أن اسند على حائطكم ظهري حين ينهمر في الداخل هواء التبريد... ولكن لا تتركوني وحدي..... خذوني .

ضعوني على مسمار تمترس في جدار البيت من قديم أو خذوني حرزا يتعلق في رقاب الأطفال ... دعوني فقط أترنح على صوت الزوار في ليلة عيد... كفي مشتاقة لسلام ......قدماي تحن لامتداد أطول من عرض الرصيف .... قتلني انتظار العتاب وشد الشعر كنوع من الدعابة ... ابحث عن أي شيء يجعل لي مثيل أو شبيه أو حتى نقيض....... أي قردا يوبخني لطول الغياب بل أي عدو يكيل لي السباب... لا شيء من هذا.... لا شيء ليس أكثر من سراب .

وحدي أنا بقيت بين المتشردين لا اعترف بالهزيمة...... وما زال يعنيني أن لا تكون النهاية جدا مهينة ، ويعنيني أن لا ترقد جثتي على رصيف تحت جريدة تبحث عن سيارة الموتى من خلال قطة حزنت على رحيلي.... فخذوني فقد أطلت البقاء وحيدا....

التوقيع: متشرد ليس له مكان أو زمان (( على أرصفة المدن الكبيرة وخلف الحاويات الطافحة بالقرف المستخرج من بقايا البشر لو اطلنا النظر وركزنا على تباين الألوان مثلا أو على تسارع الحركات بين عناصر الصورة ... سنجد أن هناك بشرا يتفاعلون مع المكان بطريقة سلسة... ولكن إن ركزت أكثر في المتلازمة ( الحاوية والشخص ) ستجد أن الحاوية قد تكون ارحم منا على هؤلاء المتشردين الذين قذفتهم ظروفهم بطريقة وقحة إلى تسول الإنسانية من غير البشر )).

بقلم: جرير خلف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق