الأحد، ٣١ تشرين الأول ٢٠١٠

يحدث يوميا: أين اللجنة المعنية؟! بقلم: محمد أبو رمان

ربما تكون أوّل مرّة أُشاهدُ فيها حادثاً مروّعاً كالذي رأيته بأم عيني أول من أمس بالمسار المجاور لجسر سلحوب على الطريق الرئيس الواصل بين مدينتي عمان و إربد، عندما اصطدمت السيارة المسرعة أمامنا بحائط الجسر، ثم بعمود الكهرباء، ثم أصبحت كقطعة معجون بمن فيها، بعد أن قذفت أحد الركاب إلى الخارج في حالة كارثية، كان واضحاً أنه يلفظ أنفاسه.

في اليوم التالي، قرأنا خبر وفاة شخص، وإصابة الثلاثة الآخرين في السيارة بين حالات حرجة وصعبة، وكان واضحاً أنّهم شباب، في مقتبل العمر، ولك أن تتخيّل لو اصطدمت هذه السيارة المسرعة بالسيارات الأخرى وفيها الأطفال الصغار، كم سيكون حجم الكارثة مضاعفاً على أسر وعائلات عديدة!

المصادفة ساقتني قبل أسابيع قليلة من ذلك الحادث في طريقي إلى المنزل إلى رؤية مشهد وخيم لحادثة شبيهة في نفق الدوار الثالث، حين كان شابٌ ملقىً على الأرض، وسط بركةٍ من الدماء، بجانب سيارته المحطّمة.

بالطبع، هذه الحوادث المأساوية أقل من حوادث أخرى، كحادثة شاحنة عجلون التي أدت إلى مجزرة وبعدها أيضاً حادثة قلاّب سقط جزؤه المحمول الخلفي على سيارة صغيرة خلفه.

ما هو مزعج حقّاً في أغلب هذه الحوادث أنّها لا تكون عظةً للآخرين، ولا تدفع المجتمع إلى مناقشة حقيقية للحدّ منها، وفي حين أنّ أغلب من تقع معهم هذه الحوادث المؤلمة هم من الشباب الصغار، فإنّ ما يثير انتباهي دوماً تساهل الأهل والوالدين مع أبنائهم الصغار في منحهم مفاتيح السيارة بسهولة، من دون التدقيق والتأكيد على إدراك ابنائهم لخطورة القيادة، وما يمكن أن ينجم عنها من مآسٍ لأسرٍ عديدة.

وكثيراً ما أنجو وأنا أقود مركبتي من التصادم مع شباب صغار يسيرون بسرعة جنونية وبتهوّر في سيارات أهلهم، وكأنّهم يلعبون في مدينة ألعاب لا يقودون "آلة قتل" عمياء بجنون بين الناس الآمنين في الشوارع أو الأرصفة.

وربما يذهل من يمر بالقرب من الجامعة الأردنية أو الجامعات الخاصة في عمان من عدد السيارات التي يقودها طلاب الجامعات، وهي ظاهرة إن كانت تعكس حرص بعض الأهالي على راحة أبنائهم وبناتهم، إلاّ أنّها تعكس – في الوقت نفسه- تساهلاً في التعامل مع هذه المسؤولية الكبرى، فضلاً عن أنّها تعكس – من زاوية ثالثة- "تشوّهاً" كبيراً في نمط الاستهلاك، وفي القيم التربوية التي تمنحها الأسر لأبنائهم وبناتهم.

هذه الجرائم، التي تحدث يومياً، هي قتلٌ بدمٍ بارد، وتحتاج إلى وقفة حقيقية للحدّ منها، وهو ما لا يمكن أن يتكفّل به أي قانون أو حكومة أو رجل شرطة، فالقضية تتطلب خطاباً دينياً واجتماعياً يقود ثورة مجتمعية ضد هذا الاستهتار بقيمة النفس البشرية والحياة وبأرواح الآخرين.

وقد كتب في الأسبوع الماضي الزميل د. يوسف ربابعة مقالاً جميلاً (في صفحة دين ودنيا) يدعو إلى إعادة التعريف الفقهي لحوادث السير، ومنحها وصفاً مختلفاً من الناحية الشرعية والدينية وأحكاماً مغايرة أكثر شدّة.

وذلك يعيدنا، كذلك، إلى اللجنة الوزارية التي كان قد شكّلها رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي المعنية بحوادث السير ومراقبتها وابتكار الحلول لمواجهتها، ومع أنّ اللجنة لم تكن تحدث تقدّماً كبيراً أو نوعياً، لكنها كانت تعكس اهتماماً رسمياً وحكومياً، وبمتابعة إعلامية، لا يجوز أن يختفي أو يتراجع، بينما الظاهرة تزداد خطورتها ونتائجها!


بقلم: محمد أبو رمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق