الجمعة، ٥ تشرين الثاني ٢٠١٠

خطوة شجاعة وتأسيسية بقلم: محمد خالد عليان

ديهي القول إن خطوة جلالة الملك باستقبال الجرحى من الإخوة المسيحيين العراقيين هي من شيم العائلة الهاشمية التي برهنت على مدى الأيام عن عمق التزامها الإنساني، وإيمانها الديني الحقيقي، ونهجها القومي الصافي.

ومهمٌ أيضاً أن هذا النهج الأخلاقي المتمتع بأرفع المعايير تحوَّل سلوكاً مؤسسياً راسخاً في سياسات الدولة الأردنية، وهو يعطي نموذجاً للدول القريبة والبعيدة بأن دولة صغيرة الحجم كالأردن تستطيع أن تكون صاحبة دور إيجابي كلما تطلب الواجب.

لا مجال لتعداد مشاركاتنا في التخفيف من عبء الكوارث الإنسانية على المنكوبين في بقاع الأرض كافة. فكلما سمعتَ عن زلزال أو اقتتال علمتَ بأن طائرات أردنية حملت مساعدات أو مستشفيات ميدانية أو مساهمات تأتي في إطار إقليمي أو أممي، من فلسطين إلى العراق ولبنان وسراييفو وصولاً إلى أندونيسيا وغيرها من البلدان... لكن خطوة جلالته باستقبال الجرحى المسيحيين الذين تعرضوا للاعتداء الهمجي في العراق هي لفتة مميزة لأنها حتى هذه اللحظة المبادرة الوحيدة من نوعها من دولة عربية أو إسلامية في هذا الإطار، ولأنها تؤكد أن الأردن في حربه على الإرهاب لا يمالئ أو يخشى المتطرفين والتكفيريين، بل يسير على هدي قناعاته ورؤيته العميقة لمستقبل المنطقة وضرورة بقاء التنوع فيها وتواصل حوار الحضارات والأديان، وحرمان إسرائيل من تكريس نهجها العنصري في المنطقة.

خطوة جلالة الملك شجاعة وطبيعية، لكنها تأسيسية أيضاً على مستوى الوطن والمنطقة. فالأردن يؤكد مجدداً أنه بلد التنوع الطائفي الذي يعتبر أن الدين لله والوطن للجميع، وأن الدولة القوية هي الضمانة لجميع أبنائها تحت سقف الدستور والقانون. والأردن هو المدرك أن زوال التنوع خطر على المجتمعات العربية والإسلامية لأنه يفسح المجال أمام أحادية لا تنبت سوى ديكتاتوريات تقمع الداخل، ورفضٍ للآخر لا ينتج سوى البغضاء والتخلف والحروب.

من هذا المنظور الذي يجمع بين الرؤية الإنسانية من جهة والديمقراطية الضامنة للتنوع من جهة أخرى، قرر الأردن أن يبعث برسالة شجاعة ومحبة في كل اتجاه، مثلما قررت الدولة أن تتصرف كدولة تدافع عن كل مكوناتها ومشاعر جميع أبنائها وتؤمّن الملاذ للمستجير والعلاج للمحتاج... صحيح أنها مجرد لفتة في سياق صراع مرير وأحداث متكررة، لكنها تحتاج إلى رجال.




بقلم: محمد خالد عليان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق