الأربعاء، ٣ تشرين الثاني ٢٠١٠

ما يزال أمامنا شوط رغم كل ما أنجزناه

كان الأردن قد أدرك مبكراً أهمية التعليم في فتح الأبواب أمام المرأة وتمكينها من ولوج معترك الحياة ، مسلحة بما يمكنها من الإسهام الفعال في تنمية مجتمعها المحلي ووطنها وتحسين مستوى معيشة أسرتها وتحقيق ذاتها وإطلاق طاقاتها، وكان لهذا الخيار الاستراتيجي الذي تبنته الدولة الأردنية والذي صاحبه إيمان ومساندة مجتمعية واسعة، أثره في فتح الآفاق أمام المرأة ، فقد حقق الأردن أعلى معدلات تعليم الإناث في المنطقة، الأمر الذي أسهم من دون شك في ترجمة جهود القضاء على التمييز ضد المرأة إلى واقع في مجالات مختلفة وبنسب متفاوتة.

كما أسهم تعزيز ثقة المجتمع بقدرات المرأة وفي تذليل العقبات أمام انخراطها الجاد ومشاركتها الضرورية في مختلف مناحي الحياة ، وإذا كانت فجوة النوع الاجتماعي في بلدنا في يومنا هذا تميل لصالح الإناث عددياً في معظم المراحل التعليمية ، فإن الآثار المتوقعة من زيادة نسبة المتعلمات من النساء ما تزال دون المستوى المأمول، وخاصة في مجال الإنتاجية والعمل والإبداع والمشاركة في صنع القرار.

وعلى الرغم من كل ما حققه الأردن من إنجازات على طريق تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، ما تزال فجوة النوع الاجتماعي قائمة في مجال المشاركة الاقتصادية والمشاركة السياسية للمرأة الأردنية وعلى نحو لا يتناسب مع معدلات التعليم ولا يحقق تماماً أهداف الإستراتيجيات الوطنية سواء منها الخاصة بالمرأة أو العامة أو القطاعية كخطط التنمية أو الأجندة الوطنية أو استراتيجيات الشباب وغيرها. ورغم العديد من الإصلاحات القانونية المهمة التي تم إدخالها على عدد من التشريعات النافذة مثل قانون العمل والضمان الاجتماعي وقانون العقوبات أو القوانين الجديدة التي تم إقرارها مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون الحماية من العنف الأسري وقانون منع الاتجار بالبشر ، فما تزال المساواة بين النساء والرجال أمام القانون غير متحققة رغم وضوح النص الوارد في دستورنا النافذ منذ العام 1952 والذي يوجب هذه المساواة، فما تزال هناك حاجة لمراجعة وتطوير نصوص ذات صلة بالتشريعات التقاعدية وبتطبيقات قانون الجنسية وبعض الأحكام أو التطبيقات في قوانين الأحوال المدنية والشخصية وغيرها، كما أن الممارسات التمييزية المستندة إلى تقاليد وأعراف اجتماعية ما تزال قائمة ومؤثرة في مجالات عديدة، حيث لا تزيد نسبة مشاركة النساء في سوق العمل الرسمي عن 14.7 % ولم تتجاوز نسبة تمثيلها في مجلس النواب المنتخب عن 6.4 %، فيما ترتفع هذه النسبة في مجلس الأعيان المعين بإرادة ملكية لتصل إلى 12.7 % ، وما تزال أنماط من العنف والتمييز ضد المرأة – وبعضها يعتبر أفعالاً جرمية يعاقب عليها القانون - تجد في المجتمع للأسف من يبررها ويتسامح معها بذرائع لا سند لها دينياً أو قانونيا. وتتواصل الجهود الرسمية وجهود منظمات المجتمع المدني والهيئات المختلفة لمجابهة هذه الممارسات.

لقد شهد الأردن إنجازاً مهماً في انتخابات المجالس النيابية، حيث مكن تخصيص حد أدنى يبلغ 20 % من المقاعد للنساء في قانون البلديات النساء من إشغال ما يزيد على
27.4 % من هذه المقاعد ، ورغم حداثة دخول المرأة سلك القضاء ، حيث تم تعيين أول قاضية عام 1996 ، فقد تزايدت أعداد النساء في سلك القضاء في السنوات الأخيرة ، وتولت سيدة أردنية القضاء في محكمة جنائية دولية كما تولت سيدة رئاسة محكمة لأول مرة عام 2008 ، وفي عام 2010 تم تعيين مدعية عامة مدنية.

إن هدف تحقيق المساواة بين الجنسين في الكرامة والحقوق وفي المسؤوليات والواجبات يتطلب إدراكاً عميقاً لما تقتضيه قيم ومبادئ العدالة والإنصاف من استجابة لاحتياجات كل من الرجل والمرأة في مستويات الحياة العامة والخاصة وفي مختلف المجالات وتلبيتها، وعياً بأهمية مشاركة المرأة وأثر هذه المشاركة الإيجابي على الرجل والمرأة معاً وعلى الأسرة والمجتمع بشكل عام.

لقد تعهد قادة العالم في القمة التي جمعتهم عام 2000 بتحقيق ثمانية أهداف رئيسية بحلول عام 2015 في إطار جهودهم للتصدي للفقر، ولم يأت اختيار الأهداف الثمانية جزافاً لأن كلا منها يعتبر شرطا أولياً مسبقاً لتحقق الأهداف الأخرى، ومن دون تحققها جميعاً لا يمكن القضاء على الفقر، أو حتى خفض معدلاته إلى النصف بحلول الأجل عام 2015، ومن هذه الشروط شرط تحقيق المساواة بين المرأة والرجل ، حيث لا تملك شعوب ودول العالم ترف الاستغناء عن طاقات وإمكانيات وإسهامات المرأة بعزلها وتهميشها وتقييد طاقاتها وشل قدراتها. ويدرك العالم اليوم ضرورة وأهمية مشاركة المرأة مشاركة تامة في جهود التنمية وعلى أسس العدالة والمساواة.

إن شرط تحقق هذه الأهداف مجتمعة ناشئ عن كونها أهدافا مترابطة غير قابلة للانتقاء وغير قابلة للتأجيل، وهي في الحقيقة أهداف متواضعة نسبياً، كأنما صيغت لأكثر بلدان العالم فقراً، ومع ذلك تلعب عوامل عديدة دورها في جعل هذه الأهداف وغاياتها التفصيلية صعبة التحقق بحلول عام 2015 بالنسبة للعديد من بلدان العالم، بسبب الارتفاع الكبير في كلفة المعيشة وخاصة الغذاء وبسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وبسبب إهمال العديد من الحكومات للاستثمار الزراعي ولمتطلبات مواجهة التغير المناخي وآثاره الكارثية وبسبب حالات اللجوء والصراعات المسلحة والاحتلال وغيرها من العوامل، ويرتبط بلوغ هذه الأهداف ارتباطا وثيقاُ بمدى الالتزام بحماية واحترام حقوق الإنسان، ومدى استيعاب الجهود المبذولة لتحقيقها لأهمية المواءمة بين التزامات الحكومات بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والتزاماتها بأهداف الألفية، فالقضاء على التمييز ضد المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب بلوغ ما يتجاوز المؤشرات والأهداف المتواضعة التي التزم بها قادة الدول كحد أدنى متوافق عليه ليرقى إلى مستوى المساواة الإنسانية والدستورية في أفضل مستوياتها.

إن أي استسلام لمشاعر الرضا الناشئة عن تحقيق الأردن إنجازات ملموسة في إطار الهدف الثالث من أهداف الألفية من شأنه أن يؤخر مساعينا لتحقيق المساواة كما نص عليها الدستور واتفاقيات حقوق الإنسان. وبرأيي فإن المطلوب هو العكس تماماً ، أي أن علينا أن نستمد مما حققناه العزيمة على المضي بخطى حثيثة لاستكمال ما يتوجب استكماله من خطوات بهدف القضاء نهائياً وفعلياً على كل شكل من أشكال التمييز أو العنف الذي تتعرض له النساء، ووضع مثل هذه الممارسات بشكل حازم في إطار مخالفة القانون وانتهاك حقوق الإنسان، باعتبارها تمثل هدراً لمبادئ العدالة والإنصاف ، لا على مستوى السياسات والتشريعات فقط ، حيث إن معظم المطلوب في هذا المجال قد تحقق ، وإنما على مستوى التطبيق الفعلي والسلوك اليومي والممارسات.

لقد شرعت القيادة الهاشمية الأبواب أمام المرأة وتبنت الحكومات سياسات مستجيبة لاحتياجات كل من المرأة والرجل وأقرت البرلمانات تشريعات حديثة منصفة ، وثابرت الهيئات الوطنية كاللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة برئاسة سمو الأميرة بسمة بنت طلال والمركز الوطني لحقوق الإنسان والهيئات النسائية ومنظمات المجتمع المدني على المطالبة باحترام حقوق المرأة كإنسانة وكمواطنة باعتبارها حقوقا دستورية وإنسانية كفلتها الشرائع السماوية، وتضمنتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وتقدمت المرأة الأردنية لتشغل مختلف المواقع القيادية بنجاح يشهد له المجتمع الأردني برجاله ونسائه ، كما أقدمت النساء الأردنيات على الانخراط الواسع في إنشاء وإدارة المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر لتحقيق الدخل حتى بلغت نسبة القروض باسم النساء من مجموع القروض في المملكة 55.1 % عام 2008.

ندرك أن طموحاتنا الكبيرة تتطلب المزيد من العمل لحماية منجزاتنا ومعالجة ما يواجه مسيرتنا نحو القضاء على الفقر وتحقيق المساواة وزيادة مشاركة النساء وتمكينهن من معيقات أو عقبات، فما تم إنجازه على هذا الطريق هو مصدر اعتزاز كبير لنا جميعاً ، وعلى طريق الوفاء بوعد المساواة ما يزال أمامنا شوط لنقطعه وعمل لنؤديه وإرادة لنترجمها إلى واقع في حياة النساء.

* الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة

بالتنسيق مع وزارة التخطيط ضمن التعريف بالأهداف الانمائية، برنامج الألفية
أسمى خضر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق