الأربعاء، ٣ تشرين الثاني ٢٠١٠

صدمة إعلامية

مشكلة تواضع قدرات الإعلام المحلي المهنية من التحديات التقليدية التي لم يستطع الإعلام تجاوزها إلى هذا الوقت، لكن الجديد في إعلام الانتخابات الراهنة يتجاوز ضعف القدرات والمهارات إلى ممارسات إعلامية مخالفة للقواعد المهنية بأبسط صورها، وللمبادئ الأخلاقية، كما يبدو في مخالفات صريحة تصل إلى حد أن تتحول بعض المنابر الإعلامية إلى طرف في التنافس الانتخابي بعيدا عن قواعد الدعاية الانتخابية وعن وظيفة إعلام الانتخابات.

في الوقت الذي تجاوزنا فيه سلوك الصحف التي باشرت بنشر الإعلانات الانتخابية قبل بدء موعد الانتخابات، تقوم الفضائيات الأردنية الخاصة هذه الأيام بممارسات لا تتفق مع القواعد المهنية ومبادئ التغطيات الإعلامية للانتخابات في الخلط الواضح بين المحتوى الإعلامي والمحتوى الدعائي وعدم الفصل بينهما، وتحويل البرامج التي يتلقاها المشاهد على أساس أنها محتوى إعلامي إلى مواد دعائية عبر بث مباشر من مقرات المرشحين، في حين يظهر فجأة إعلامي ما، تعرّف هذه القناة أو تلك على نفسها من خلاله في مهرجان انتخابي للمرشح الفلاني وببث مباشر من مقره العامر، وهو يشيد ويحشد لهذا المرشح، ما يتنافى مع ابسط المبادئ الأخلاقية في توظيف السمعة الإعلامية وبيعها بالمال السياسي.

وفيما أبدعت الفضائيات في اختراع أساليب متعددة في نهب جيوب الناس عبر الاتصالات والرسائل القصيرة، فإن اختراعنا للتصويت التلفزيوني للمرشحين عبر الرسائل المدفوعة، يسجل لصالح مهنية ونزاهة الإعلام التلفزيوني الأردني! وهي حيلة بائسة لاغتيال وعي الناس واستثمار انفعالاتهم وتزييف الوقائع لمن يدفع أكثر.

مسألة مهنية الإعلام اكبر من قصة تطوير إعلام بيئي متخصص أو إعلام تنموي خبير، بل يبدو ان المسألة قد تجاوزت حدود ضعف المعرفة والتأهيل إلى الاستقواء باسم الإعلام والضرب خبط عشواء هنا وهناك حتى أصبح مجرد نقد أداء بعض وسائل الإعلام في القطاع الخاص أو تلك التي تدعي الاستقلالية مسألة مرعبة وخطا احمر حتى داخل أوساط المجتمع الإعلامي.

نعلم بأن التشريعات الإعلامية لا تعالج مسائل المحتوى الإعلامي ولا نريد أن نتدخل في تفاصيلها على الرغم من أن هناك معالجات للمحتوى في أعرق الدول ديمقراطية، ويمكن الرجوع لبعض وثائق اللجنة الفديرالية الأميركية للاتصالات (FCC) والتي طالما وضعت معايير ذات صلة بالمحتوى تتعلق بالسياسات المحلية والتعددية والتنافس.

لا ندري إلى أي حد يمكن أن يضمن مسار التنظيم الذاتي تطوير جودة المحتوى الإعلامي والالتزام بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، فالواضح ان هذا المسار لم يتقدم ولم تتوفر له الأطر المؤسسية الفاعلة داخل المجتمع الإعلامي، ولم يتحقق سوى استخدام التنظيم الذاتي كمجرد سلاح احتياطي نخرجه كلما شعرنا بإمكانية تدخل هذه الجهة أو تلك.

هناك عشرات المنح التي قدمتها مؤسسات دولية متخصصة بالإعلام والانتخابات لمؤسسات محلية في مجال إعلام الانتخابات، ومنها لرصد التغطيات الإعلامية للانتخابات، كنا نتطلع بأن نرى تقريرا علميا يرصد تجاوزات الإعلام في مجال الانتخاب. هنا ستكون الصدمة، كيف يلعب المال السياسي لعبته، ولكن هذه المرة من خلال أخطر الوسائل وأكثرها حساسية.


بقلم: باسم الطويسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق