الأربعاء، ٣ تشرين الثاني ٢٠١٠

حديث الشارع الأردني

أكثر العبارات رواجاً في بازار الانتخابات هذه الأيام هي عبارة (حديث الشارع). نسمعها في معرض دعم المتحدث لرأيه، والإجابة عن أي سؤال لا يستطيع محدثك أن يجيبك عنه. إذا أشار متحدث إلى موقف أحد المرشحين ولمس منك اهتماماً بمعرفة مصدر معلوماته أو الأسباب التي دعته للأخذ بما يقول عاجلك بالقول هذا هو حديث الشارع.

مسكين شارعنا كم هو مظلوم. لم يعد كما كان، وذبل طموحنا فيما كنا نريده أن يكون. صارت وحدته شيئاً من زمن مضى بين تفرعات إدارية وأخرى انتخابية. بدأ بثلاث مناطق إدارية وانتخابية، قبل أن يتفرع إدارياً إلى ست مناطق في السبعينيات واثنتي عشرة محافظة وخمسين لواء في الثمانينيات.

انتخابياً تفرع أكثر. فمن ثلاث دوائر في الستينيات إلى اثنتي عشرة في 1989، إلى خمسين دائرة بعدد الألوية في 1993، إلى نقلة الصوت الواحد في 1997، إلى مئة وعشرين دائرة لكل دائرة مقعد واحد في 2010، إلى نقلة الدوائر الافتراضية.

حالات استقواء واضحة على الشارع بدأت بالبروز مع كل تفرع يصيبه، وصار الكثيرون يسمحون لأنفسهم بالحديث عن الشارع والتحدث باسمه، وتوظيف ما يروونه عنه لمصالح فردية بائسة، كالزج به في قفص المنافسات الانتخابية الضيقة، والاستشهاد به على وقائع لا وجود لها إلا في مخيلات أصحابها.

إعادة الاعتبار لحديث الشارع تبدأ من نقطة إعادة الاعتبار للشارع نفسه، حتى تعود لحديث الشارع نكهته الجامعة، بعيداً عن كل التفرعات التي انتهى إليها. وفي المقدمة منها تفرعاته الانتخابية بما تسببت بإصابة المواطن بمرض التوحد بعد ان أصبح وحيداً مع صوته في دائرة معزولة بمقعد لنائب واحد.

تنتظرنا رحلة طويلة لترميم العلاقة بين مكونات الشارع في مختلف أماكنه ومواقعه وفئاته إذا كنا نريد حقاً تعزيز دوره في المشاركة في التنمية على نحو فعال، وبناء دولة قانون لا ولاء فيها لغير الوطن. لا شيء غير ذلك يقطع الطريق على سرطان الهويات تحت الوطنية، ويعيد تشكيل الفسيفساء الأردنية التي لم تعد على سابق جمالها.

حري بنا إعادة ربط هذه الفسيفساء في خطوة تتبعها أخرى، نوسع بها الولاء لهوية وطنية جامعة، ونحيل فسيفساءنا تنوعاً ثقافياً واجتماعياً يصنع لنا طبقة (فئة) وسطى، ونُخباً متنورة، وأحزاباً تملأ حياتنا السياسية، تمثيلاً نيابياً جامعاً. ففي ذلك إدامة لنهج المشاركة واستعداد دائم للإصلاح متى ما دعت الحاجة.

الشارع هو الناس في مختلف أماكنهم ومواقعهم وفئاتهم وآرائهم. وحديثه انعكاس لنبضه الثقافي والسياسي والاقتصادي، ومحصلة ما انتهى إليه المجتمع على هذه الصعد كافة. ليس من العدل أن يصادره طالب مصلحة خاصة، أو صاحب صوت عال، كما لا يجوز أن تغيبه فئة خاصة أو عامة. الأصل في حديث الشارع ان يكون مؤشر اتجاه يحدد إحداثيات الأهداف وخريطة الطريق، وفي مراحل الخطر يتحول الى جرس للإنذار.

بدأنا بمن يستخدم حديث الشارع الفرعي لإقرار موقف انتخابي يرغب صاحبه أن يراه حقيقة على أرض الواقع. وانتهينا بحديث عام عن الشارع الوطني. وبين الخاص والعام في حديث الشارع ثمة ارتباط باتجاهين، إيجابي كلما اقترب الخاص من العام، وسلبي كلما ابتعد عنه. والاتجاهان رهن بوحدة الشارع، يلتقي الخاص بالعام إذا ما توحد ويسير بعكسه إذا ما تفرق.


بقلم: د.عاكف الزعبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق