الأحد، ٣١ تشرين الأول ٢٠١٠

على قدّ لحافك! بقلم: باسل طلوزي

يا رجل "على قد لحافك مد رجليك"، والقانون قانون، وإذا أردت أن تبقى موظفا عندنا، فعليك أن توائم قدميك مع اللحاف.

تذكرت "المحاضرة" الصباحية، التي أخضعني لها المدير، حين طلبت منه زيادة طفيفة على الراتب، بعد أن تجمّد راتبي، في "ثلاجة الموتى"، منذ سنوات.

عدت إلى البيت، مكسورا، فقد كنت أتمنى لو استجاب المدير لطلبي، لأن راتبي لم يعد يستطيع تغطية "أقدام" الشهر الطويلة، وحاولت تلك الليلة، أن أوائم جسدي مع اللحاف، فضغطت جسدي، وانكمشت، كي لا يعضني البرد.

غير أن ما قضّ مضجعي تلك الليلة، ليس اللحاف القصير، بل مشهد أقدام المدير المسترخية، تحت الطاولة كالأخطبوط ، لدرجة أنني تعثرت بها أثناء خروجي مرعوبا من مكتبه، وتساءلت في نفسي عن حجم "اللحاف" الذي يتغطى به المدير.

خرجت صباحاً إلى الجزّار، لأبتاع نصف كيلو لحم مستورد، فوجدت أن الأسعار قد ارتفعت، عن اليوم السابق، وأن ما أحمله في جيبي لا "يغطي" نصف كيلو اللحم المطلوب، فقهقه الجزّار، وهو يلوّح بساطوره الطويل، (الأطول من لحافي)، وأخضعني هو الآخر لمحاضرة، عن ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة، بسبب، حمّى تصدير خرافنا إلى الخارج، وقال بأن على الإنسان أن يتواءم، مع دخله، ولا بأس أن أشتري أوقية لحم بدل نصف الكيلو، وختم "محاضرته القيّمة" بعبارة: "يا عمي على قد لحافك مدّ رجليك"، واضطررت، من جهتي، طبعا، أن أثني على "نظريته"، خصوصا، عندما لمحت مدى حدّة ساطوره "الطويل".

عدت إلى البيت، تلك الليلة، "مفروما"، لأنني لن أستطيع شراء اللحم المستورد لأطفالي، بعد الآن، وعلي أن أوائم جسدي مع اللحاف الآخذ بالانكماش، فكوّرت جسدي ورفعت ركبتيّ إلى ذقني، كي أكتفي بما لدي من فلول "اللحاف".

خرجت، صباحا، متيبّس الأطراف، واضطررت أن أحني قامتي مرات عدة، كي أتمكن من الخروج من فتحات منزلي، ومشيت مترنحا، في الشوارع، قاصدا مكان عملي.

وفي الطريق، لمحت مظاهرة احتجاج، على قانون "الصوت الواحد" الانتخابي، وكان المتظاهرون، يرفعون لافتات، من قبيل "القانون الجديد لا (يغطّي) تطلعاتنا، وآمالنا"، و"المتغطي في الحكومة بردان".

وفي مواجهة المتظاهرين، كان ثمة مسؤول حكومي، يحاول أن يقنع المتظاهرين بمحاسن القانون الجديد، ويصرخ فيهم بعبارات من قبيل: " هذا أفضل ما استطعنا التوصل إليه، والمسؤولون سهروا لياليَ طوالا لم تشمّ فيها أجسادهم ألحفتهم، وهم يُعدّون هذا القانون من أجل عيونكم"، و" يا إخوان المرحلة دقيقة وحساسة، ولا تحتمل المزايدات"، أما آخر "محاضراته" فكانت عبارة قاطعة مانعة لا تخلو من الوعيد، بعد أن ضاق صدره بهتافاتهم: "إيدكو وما تعطي، هذا اللي أجاكم، وعلى قد لحافكو مدوا رجليكم"، ثم بدأت أقدامه "الطويلة" تمعن بالركل و"الشلاليط".

وما إن ابتعدت حتى لمحت مظاهرة أخرى، ضد الغلاء، وكان أيضا ثمة مسؤول يتحدث من "كرشه المدلوق"عن قلة الموارد، وعن ضرورة التقشف، وعن ضرورة مدّ الأقدام على قدّ "الفلقة"، ثم يعود فيستدرك "على قد اللحاف".

توقفت برهة وتساءلت: يبدو أن المشكلة ليست في اللحاف القصير، بل بأقدامنا، وقاماتنا، نحن المواطنين، وينبغي علينا أن نتواءم مع "الألحفة" الرسمية، بكل مواصفاتها.

ولا أدري كيف غيرت طريقي، في تلك اللحظة، عائدا إلى البيت، واتجهت مباشرة إلى لحافي، وحشوت جسدي أسفله، وكوّرت نفسي، فاستغربت كيف استجاب لي هذه المرة، وغططت في سبات عميق لم أعتد عليه، قبل اليوم، ممتثلا لكل "المحاضرات" الرسمية والاجتماعية، التي ثقبت أذنيّ منذ وعيت على عمري "القصير".

وفي الصباح، كنت مرتاحا، و"مطمئناً" على خلاف سابق عهدي. لكن المفاجأة التي عقدت لساني، حدثت حينما أبعدت اللحاف جانبا..

يا للفجيعة، فقد غدوت قزما!



بقلم: باسل طلوزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق