الاثنين، ٢٢ تشرين الثاني ٢٠١٠

ليست زلة لسان أيها الاذكياء بقلم: حسن الشوبكي

أصعب ما في السياسة والاقتصاد والحياة عموما أن يتراكم المشهد ويتعقد، ولا يجد في المقابل من يعترف بمسؤوليته عما يحدث وما يتأثر به الناس من سياسات وتشريعات ودروب اقتصادية لا تقود في كثير من الاحيان الى واقع مختلف.

ويبدو أن العقد الاجتماعي بكل تفرعاته السياسية والاقتصادية صالح في الدول التي لا تغيب عنها الشرعية تبعا لمعايير واضحة ودقيقة، أما تلك الدول التي تمارس سلوكيات القرون الوسطى بأدوات الاستبداد النمطية فهي أبعد ما تكون عن التغيير، ولماذا تغير أصلا؟ فثمة “نخب” تعتاش يقابلها شعب كسول لا رأي له.

لن أطيل في المقارنات التي توجع القلب والعقل، لكن استقالة وزير العدل الياباني مينورو ياناغيدا وهو شخصية سياسية مرموقة في الحزب الديمقراطي الحاكم في اليابان تستحق وقفة تأمل وتمحيص في دلالاتها ومغازيها، فالرجل صاحب خط سياسي إصلاحي يرفض الارتهان الى اللحظة الراهنة والنوم الى جانبها وله حضور قوي في دائرته الانتخابية هيروشيما.. رفض أن يكون مجرد شكل لا روح فيه، فاستهزأ بالدور السياسي الذي أنيط به – لأنه يحترم نفسه ويعلم مهمة السياسي الحقيقية – وقال أمام الملأ “ليس مطلوبا من وزير العدل سوى معرفة جملتين للاجابة عن أي سؤال في البرلمان”، وأشار الى الجملة الاولى “لا يمكن التعليق على قضية فردية”، أما الثانية “نحن نتعامل مع القضية بشكل مناسب بموجب القوانين والدلائل”.

لم يقبل الرجل أن يكون مجرد ديكور، ولاعتقاده الراسخ بأن مهمة السياسي أكبر شأنا وأرفع قدرا، فإنه خاطب أنصاره في دائرته الانتخابية بكلام ساخر “إن عمل وزير العدل سهل للغاية ولا ادري لماذا اختاروني لهذا المنصب”، ولوجود روح سياسية عالية وديناميكية قوبلت تلك التصريحات بموجة رفض من قبل المعارضة بقيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي هدد بمقاطعة مداولات البرلمان اذا لم يقدم الوزير استقالته لما اعتبرته المعارضة سخرية جارحة لهيبة المؤسسة التشريعية.

للعلم، كل هذا الجدل يدور والحكومة اليابانية التي مضى على تشكيلها خمسة أشهر تسعى لتمرير ميزانية حجمها 53 بليون دولار بهدف تعزيز الاقتصاد الذي يعاني من الانكماش وارتفاع سعر صرف الين، ويجب الانتباه الى أن 5 أشهر في الحكومة لم تجعل الوزير المستقيل يلتصق بالكرسي، بل ظل عقله وضميره ووعيه واحترامه لدور السياسي في المقدمة، ولم يكن منافقا أو مزدوجا أو مخادعا لنفسه أو لمن انتخبه.

دع عنك حكومة طوكيو ومعارضتها وموازنتها، والتفت إلى مشهد السياسة والاقتصاد تحت السماء العربية، فحديث غياب الشرعية ضرب من الترف، وفي موازاة هذا الغياب يتم تعيين “السياسيين” من دون أي وضوح أو معايير محددة، وينتهي الأمر إلى استبسال هولاء “السياسيين” في الذود عن مصالحهم وتجاربهم المستمرة في تسيير أمور العامة والاقتصاد، ومقابل تراكم الفشل أو العجز السياسي والاقتصادي لا تجد من يقف مسؤولا عن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

وحتى لا نختبئ خلف الحدود ونناقش مشاكلنا بصدق من دون مواربة، ثمة عنف اجتماعي يتفاقم وهنالك حالة احتقان يمكن رصدها في الشارع الاردني ومضى على تصاعدها سنوات، وفي المقابل هنالك حالة عدم رضا عن مسار الحكومات والبرلمانات تكشفها الاستطلاعات العلمية وتكشفها اكثر مشاهد تفشي الفقر وسوء توزيع الدخل والثروة والتداعيات السلبية التي يحملها قانون الصوت الواحد على مستقبل البلاد، وحيال ذلك يبدو السياسي بريئا من كل ذلك وتستمر ذات الأدوات السياسية والاقتصادية في العمل الرتيب والنمطي، ولا نجد من يصرخ بعبارة مشابهة لعبارة ياناغيدا.

المحزن أكثر، أن معظم وسائل الاعلام العربية – على وجه التحديد– نقلت الخبر بشكل نمطي ساذج تحت عنوان “استقالة وزير العدل الياباني بسبب زلة لسان” ، والحقيقة انها ليست زلة لسان، فالرجل يقصد كل حرف قاله.


بقلم: حسن الشوبكي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق