الثلاثاء، ١٠ آب ٢٠١٠

ما بعد التوجيهي بقلم د. غسان اسماعيل عبدالخالق

عام من القلق والتوتر والترقب ، يفضي في أغلب الأحيان للنجاح في امتحان الثانوية العامة. وبعد أن يثمل الأهل والأقارب بسكرة النجاح ، تبرز فجأةً فكرة الالتحاق بالجامعة ليبدأ الآلاف من الآباء والأمهات في الأردن ماراثون البحث عن مقعد في احدى الجامعات الرسمية أو الخاصة.

ما يميز آلاف الآباء والأمهات في الأردن سنوياً شعورهم العالي جداً بالمسؤولية تجاه أبنائهم وبوجه خاص تجاه تعليم هؤلاء الأبناء. ولا نبالغ إذا قلنا بأن هذا الشعور العالي بالمسؤولية قد يتضخم أحيانا ليصبح شعوراً عارماً بالذنب جراء اعتقاد بعض الآباء والأمهات بأنهم قد تسرعوا كثيراً في إلحاق أبنائهم أو بناتهم بهذا التخصص أوذاك أوبهذه الجامعة أوتلك.

آلاف الآباء والأمهات في الأردن يمتلكون الاستعداد التام سنوياً كي يبيعوا ما فوقهم وما تحتهم في سبيل تعليم أبنائهم ، ومع ذلك فإن هذه اللحظة الطافحة بالبذل والعطاء كان يمكن أن تكون أكثر فاعليةً لوتم تشجيع الأبناء على تحديد ما يرغبون بدراسته في سن مبكرة وتوجيههم صوب خياراتهم بدلاً من تأجيل هذه الخيارات إلى اللحظة الأخيرة التي عادةً ما تكون محاصرةً بالتردد والتوتر والانسياق خلف نصائح الآخرين.

أكثر ما يربك عملية القبول والتسجيل في كل عام التهافت على بعض التخصصات جراء الاعتقاد بأنها تخصصات مطلوبة في السوق ويمكن أن تضمن لدارسيها فرصة الالتحاق بسوق العمل فور التخرج. ولا ريب في أن هذا التهافت سرعان ما سيفضي إلى أكبر المفاجآت والتي مؤداها أن الإنسان الذي يمتلك مهارات فردية متميزة وبقطع النظر عن تخصصه هوالمرشح الأكبر دائماً للالتحاق بسوق العمل ، بدليل أن المئات من حملة شهادات البكالوريوس في الطب والهندسة والدكتوراة في العديد من التخصصات لا يعملون أوأنهم يعملون في وظائف باهتة لا تساوي الجهد والوقت والمال الذي أنفق عليهم.

وليس أقسى من أب أو أم يدركان أن قدرات ابنهما أو ابنتهما أدبية بحت ومع ذلك يصران على إلحاق الابن أو البنت بتخصص علمي ، في خطوة تعكس انعدام وجود الوعي اللازم بضرورة احترام قدرات الأبناء والعمل على التجسير والتقريب بين هذه القدرات وبين التخصصات ، فالتعليم الجامعي هو آخر ما ينبغي أن يخضع لمعيار التقليد الأعمى والانجراف خلف منطق المباهاة والمفاخرة. أما أولئك الأبناء أو البنات الذين يدركون حجم التضحيات الجسام التي يقدم عليها آباؤهم وأمهاتهم يومياً في سبيل تعليمهم ، فإنهم الأقسى دون ريب إذا لم يرتفعوا إلى مستوى أحلام آبائهم وأمهاتهم ، وليضطلعوا مجدداً بدورهم كآباء عصاميين وأمهات مكافحات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق